دولة لبنان الكبير ... تِفيد بإيه يا نَدَم
كل حِراك شعبيّ في لبنان مصيرُه الفشل ، مهما كانت الجهة التي تدعو اليه . كل حراك او تحرّك او مسيرة شعبيّة ، او تجمّع او تكتّل ، سوف ينتهي كما انتهت آنذاك التظاهرة العربيّة المُطالِبَة بإسقاط وَعد بلفور ، حيث كان يَصرُخ المتواجدين في مؤخّرة التظاهرة :" فليسقُط واحد من فوق ، بدلاً من "فليسقُط وعد بلفور". في كل بلدان العالم تنتهي التظاهرات ، والتجمّعات السلميّة ، في التفاوض مع المسؤولين عن الإعوجاج والفساد ، والمنافقين ( كما يسمّيهم المتظاهرون) ، الاّ في لبنان حيث تُفَكّ كل الإعتصامات والتجمّعات بوعود من المسؤولين ، لا تُنفَّذ ، لأنه وكما قلت في مقالٍ سابق ، الجماهير العربية غفورة وليست غفيرة ، وهذا ما سيَحصُل مع حملة "طلعت ريحتكم" الذين ، وتذكروني جيداً ، سوف يَنتَخبون ( عند حصول الإنتخابات "إنشالله خير" كما يقول معظم اللبنانيين عندما تسألهم عن مسألة دقيقة) نَفس الأشخاص ، هكذا جرَت العادة وهكذا يقول التاريخ والجغرافيا. لماذا التاريخ والجغرافيا ؟ " ولو ما نحنا أحفاد الفينيقيين" أهم شيء في المقايضة ، او تبادُل السلعة هو ان يرضى الطرفان. قايض واصمت ، إرتشي واصمت ، إقبض وغادر مكان التجمّعات ، إقبض وانتخب ... والخ. دولة لبنان الكبير مقابل تقاسم النفوذ المُنتدِب ، الاستقلال مقابل الرئاسة ( للموارنة طبعاً كانوا اكثرية في العام 1943 حسب اول وآخر إحصاء سكاني في لبنان في العام 1932 ) ومِن بعد هذا التاريخ اصبحت الأكثرية تُحدَّد من قبل امراء الطوائف. إقبَض ومارس السياسات الأجنبية ، إرتشي واصمت. الرؤساء معيّنون ، لا تقبَل ان يضحك عليك احد بعد اليوم. وحدُه شارل دباس كان رئيساً منتخباً في ايلول 1926 ومن بعده كل الرؤساء كانوا معيّنين او بالنيابة ، واستمرّ الوضع على ماهو عليه حتى ما بعد الاستقلال وحتى ايامنا هذه. فالرئيس سيبقى معيّناً وغير معنيّاً بالذي يحصل ، الا ان تَجري الانتخابات بطريقة مباشرة ومن قبل الشعب ، الذي اثبت انه غير عظيم ، بل مسكين ومغلوب على أمره. الرئيس القوي غير موجود في البلدان العربية وفي لبنان خصوصاً. ومن بعد نظرية الاستقلال مقابل الرئاسة ، يأتي المال مقابل التوطين ، والمال مقابل السلطة والمال مقابل غضّ الطرف عن الشواذات السياسية والاجتماعية والدينية ، والمال مقابل بيع الأراضي ، والمال مقابل تقاسُم نتيجة التنقيب عن النفط والغاز ، والمال مقابل حلّ ازمة النفايات. كل ذلك فخرٌ للبنان واللبنانيين احفاد الفينيقيين ، ذائعو السيط في المهجر ، اكبَر مركّبين مكائد لبعضهم البعض ، ولكنّهم شاطرين و"بيّيعين" تماما مثل الفينيقيين ، وهُم في حضور الأجنبي "ما في أحلى منهم" ، يتفَرْنسون مع الفرنسي ويتأمركون مع الأميركي ، والمهم ان تتمّ الصفقة. احتفلنا في الأول من أيلول الجاري بإعلان دولة لبنان الكبير ( والذي بقي صغيراً بالفعل ) في حينها أعلن الجنرال الفرنسي غورو في العام 1920 إعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني ومن بينها سوريا ولبنان ، معلناً بيروت عاصمة لها ( تماما كما يجري اليوم من ترسيمات للحدود تفرضها القوى العظمى ولا تستطيع اي مظاهرات وثورات القيام بأي تغيير دون مباركة هذه القوى ) ، ووُصفت الدولة الجديدة بإسم لبنان الكبير على أساس إضافة البقاع وبعض القرى في عكّار إلى المنطقة التي عُرفت تاريخياً بمتصرفيّة جبل لبنان الذاتية الحكم والتابعة للامبراطورية العثمانية. وفي 23 أيار 1926 أقرّ مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية ( مهزلة مابعدها مهزلة ، هي دولة لبنان الكبير. ومنذ ذلك الحين صراعات نفوذ ، هؤلاء أقليّة وآخرون محرومين ، مواطنون يطالبون بفرنسا والبعض يطالب ببريطانيا وآخرون يقسمون الولاء للعروبة وللملك فيصل. من ثورة الجبل الى ثورة بيروت الى ثورة الأطراف ، الجنوب والشمال وثورة الداخل في البقاع ، ويفيض نهر ابو علي في طرابلس ، فيُطالب "المحرومين" بالعطل والضرر اينما تواجدوا على الأراضي اللبنانية. وتأتي بعدها الحرب الأهلية ، والاجتياح الاسرائيلي ، والحقبة السورية ، وثورة الأرُزْ ، نعم ثورة الأرُزْ وليس ثورة الأرز ، لأنه كان يُرمى على كل خطيب في الساحة كميّات من الرُزّ اكثر ممّا يرمى على العروس بألوف المرّات.
في هذه الذكرى المجيدة ، ذكرى إعلان دولة لبنان الكبير أقول للمتظاهرين ، انهم يملكون الحقّ بالتظاهر ، ولكن فقط من أجل إعادة الإنتداب الفرنسي ، وانا اتكفّل باليافطات التي سيُكتَب عليها الشعارات التالية: ـ"أرجوكم ساعدونا لأننا لا نستطيع ان نحكُم أنفسنا "
ـ"الشعب اللبناني العظيم اصبَح مبهدلاً ومعتّراً"
ـ كنّا نذهب الى حيث لا يجرؤ الآخرون ، اصبح الجميع يجرؤ على تمسيح الأرض فينا"
ـ إرحلوا قبل فوات الأوان ( نداء موجّه الى الشعب)
وأخر شعار :" تِفيد بإيه يا نَدَم يا نَدَم....