الإسلام ما وراء القرآن
قلت الاسلام ما وراء القرآن قاصداً انه اذا تناسينا النصوص المكتوبة احياناً ، من اجل بلوغ غاية اسمى ومتطوّرة في بعض الأحيان ، نكون قد اسدينا خدمة الى الحضارة والإنسانية ، وخطونا خطوة جبّارة الى الأمام ، كما فعَل العرب في الأندلس خلال العهد الأموي ، حيث نهضت الحركة العلمية في فترة الخلافة الأندلسية نهضة شاملة، وكان من مظاهرها اتضاح الشخصية العلمية للأندلس واستقلالها. فعندما
شجَّع الخليفة الناصر وابنه الحكم المستنصِر العلماء المشارقة القادمين إلى الأندلس وأغدقا عليهم العطاء، وكانوا قد جلبوا الكتب القيّمة، وترجموا الكتب الأجنبية المهمة، وحثّوا على التأليف والبحث في مختلف المجالات ، عندها لم يرجع الخليفة الى النصوص القرآنية بل ترفّع عنها من اجل الحضارة والرقيّ.
الأندلس التي شكَّلت ما بين 711م ـ 1492منارةً للعلم والازدهار في أوروبا في حين كانت باقي القارّة تقبع في الجهل والتخلُّف، وأصبحت مدينة قُرطبة إحدى أكبر وأهم مُدن العالم، ومركزًا حضاريًّا وثقافيًّا بارزًا في أوروپَّا وحوض البحر المُتوسِّط والعالم الإسلامي ، مُنافسةً بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة ، والقُسطنطينيَّة عاصمة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة ، و ساهم العُلماء الأندلُسيّون على اختلاف خلفيَّاتهم العرقيَّة والدينيَّة بتقدُّم مُختلف أنواع العُلوم في العالمين الإسلامي والمسيحي ، عندها لم يُقتَل احداً بإسم الدين ولم يكن هنالك تطرّف او مواطنون اقرب الى الله من آخرين الا بالتقوى .
القرن الاول للفتح العربي الاسلامي ، كان عصراً ذهبياً في المشرق ، ايضاً حيث كانت دمشق عاصمة الامويين وكان المسيحيون حتى أواخر ايام الخليفة عبد الملك بن مروان لا يزالون يمثّلون اربعة اخماس سكّان سوريا فيما الاخطل شاعر بني امية يتنقّل في حضرة الخليفة والصليب ظاهر على صدره ، وكاتدرائية القديس يوحنا ( الجامع الاموي لاحقاً لا تزال في عهدة المسيحيين ، واللغة اليونانية لغة الدولة في الدوائر المالية ، والعملة عليها رسم الصليب ، هذا بالاضافة الى ان المسيحيين كانوا ممسكين بمعظم وظائف الدولة الهامة فالملَكيّ سرجون بن منصور يتولّى رئاسة الديوان ( المالية ) ويخلفه في منصبه ابنه منصور ( القديس يوحنا الدمشقي لاحقاً). وسارع الخليفة معاوية الى إعادة بناء كنيسة الرها بعدما هدمتها الصاعقة ، واعتمد ابن آثال المسيحي طبيباً خاصاً . اذن تاريخياً هولاء المتبّعين دين نبيّ الاسلام كانوا معتدلين ومتسامحين ، فقط لأنهم تناسوا النصوص الجامدة وانشغلوا في العمران والبحوث العلمية وتشجيع الشعب على القراءة فيما كان بعض النبلاء الأوروبيين لا يستطيعون إمضاء اسمائهم. لكن تاريخياً ايضاً في أواخر عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ولاشتداد حربه مع البيزنطيين راح يضيّق على المسيحيين منذ العام 692م ، وأمر ابنه الوليد بقتل جميع الأسرى الذين أخذوا في حربه مع الروم وحوّل كاتدرائية الملكيين الكبرى في دمشق جامعاً ( الجامع الاموي حالياً). تماماً كما فعل بن لادن ، والأئمة الإيرانيين في الثمانينيات ، والداعشيين حالياً.
هل يجب علينا تناسي المرحلة الذهبية التي مرّ بها الفتح الاسلامي في الاندلس حيث أقيمت مئات المدارس المجانيّة ، وشُيِّدت المكتبات العامة ، ووُضِعت أسس الطبّ الحديث ، والصيدلة والعلوم ، لكي نصل الى ما نراه اليوم من تحجّر وإرهاب ورجم النساء ، والقضاء على المعالم الحضارية اينما وطأت أقدام فرسان محمد ، التي كانت تشيد فأصبحت تَهدم. هل هؤلاء الأصوليين يقرأون في قرآن مختلف؟.
الفوز بالجنّة ، وكل طيّب ولذيد ، والفوز بالنساء والخمر واللبَن والعسل المصفّى والغلمان ، والحجرات المجهّزة بجميع وسائل الراحة والسعادة مُمكن ، (مع انه ربما كان وليد مخيّلة نبيّ الاسلام) ولكن بشرط ابقاء المعالم الحضارية ، كما فعل العرب في الاندلس وفي المشرق العربي على ايام الدولة الاموية ، وقبل ان يأتي العباسيون ويخربوا القصّة الجميلة ، وقبل ان يأتي المتطرّفون الحاليون من الأئمة الإيرانيين الذين يدّعون الدفاع عن الله والإسلام ومحمد والقرآن ، بل والذين هم امتداد ، بل صورة مطابقة لمحمد والخلفاء وممن تسنّى لهم الحكم من الأئمة . هل نحن اصحاب النار ( المسيحيون) الذين لا يستَوون مع اصحاب الجنّة ، وهم الفائزون . كما ورَد في "الحشر" ( مع التذكير ان الداعشيين والمتطرّفين لا يميّزوا بين مسيحي ومسلم وبنظرهم ائمة الشيعة هم ايضاً ضالين عن السراط المستقيم. إن الله وعَد المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدَن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم . "التوبة" . توقَّف يا ايها المتطرّف المسلم عن الخيال ، توقّف يا ابو بكر البغدادي ويا بن لادن ويا ايها الداعشي وترجّل عن مخيّلتك وارجع الى عهد الإعمار الأندلسي والمشرقي العربي.
من المؤكّد ان الخميني لم يراجع القرآن عندما وجّه الى الإيرانيين نداءً في العام 1981 يحرّضهم بموجبه البحث عن الرئيس المستتر بني صدر ، والقاء القبض عليه ، وتسليمه الى السلطات الدينية على ان يكون الأجر عند الله ، والله كما هو معلوم لا يضيع عنده أجر. وهل تشاور بن لادن مع نبي الله قبل انشاء القاعدة داعياً الى القتل والعودة الى الأصول . فما أسخَف هذا الله وما أحقَر الناطقين بإسمه والمجاهدين في سبيله . وماذا نقول عن الله والإسلام ومحمد القرآن عندما نكون في حضرة آيات الله ؟. وماذا نقول أيضاً عن الله والإسلام ومحمد والقرآن ونحن نراقب آنذاك بن لادن وحالياً الداعشيون. فإذا كان الأنبياء لا يملكون غير الوعد والوعيد فكيف يمكننا الحديث عن إسلام معتدل ؟ وهل كان القرآن صريحاً في آياته ام يُحرَّف وفق الظروف والمعايير. ولكي اسهِّل الأمور على البغدادي وغيره من المجاهدين ، سوف أروي لكم هذه القصة عن نبيّ المادية الدياليكتيكية كارل ماركس. ففي خيال ماركس يتمّ القضاء على التعارض بين المدينة والريف ويتحرّر الفرد سياسياً واقتصادياً ودينياً وعائلياً وهذا ما وصفه ماركس بالجنّة الارضية ، ودخل دينه افواجاً افواجاً من الناس . وكذلك دخل الناس افواجاً افواجاً في دين محمد طمعاً بالجنّة السماوية. ان الأنبياء متفّقون ولو اختلفوا ، فالجنّة واحدة أرضية كانت ام سماوية فكما هنا كما هناك ، طبقة مُحتَكِرة ، وأخرى تَغرق في العذاب الأبدي ، وكل ذلك وليد مخيّلة ماركس المادية ومخيّلة محمد السماوية.