نعم .... نستطيع
هذا ليس عنوان لحملة إنتخابية ، وليست طريقة للتفكير الإيجابي على الطريقة البوذية ، بل طريقة مجدية لتغيير القيم المعوَجّة التي تدرّبنا عليها وحفظناها عن ظهر قلب ، على انها هي سبيلنا الى الخلاص ، وأن "ايام زمان كانت أحلى" ، وان كل ما قيل لنا في الكتب عن التسامح والتضامن ، والاحترام ، وكل المقدّسات ، هو صحيح وصائب ، وبإختصار يجب علينا ان نعود الى الجذور
اذا استجاب القدر او لم يستجب ، الحلّ الوحيد من اجل إزالة الموروث الموبوء الذي البسونا إياه ولم نُستَشر هو ما سوف نتناقش به الآن وقبل الغد
نعم بإمكاننا ان نرى بشراً في بلادنا مثلما لم نراهم من قبل إذا
التزمنا بمعايير الدقّة العالمية ، بدءاً بالساعة ، وهي رمزُ الدقة في العالم ، الى الأرقام وهي رمز للحسابات ونتيجة اي عمل حسابي تكون دقيقة بارقام كاملة مع فواصل ، وصولاً الى الدقّة في المفاهيم والابتعاد عن التنظير ، لأنه هنالك مفهوم واحد للحرية والأمان والاستقلال والسيادة وكل ما يقال عن مفاهيم مرادفة كالأمن بالتراضي ، والاستقلال المشروط ، والأمانة المرتَهِنَة ، وكل ما درسّونا اياه في كتب تاريخ الـ 6و6 مكرّر ، و"هلّق مَشّي الحال وبعدين منشوف" كل هذه المفاهيم ، هَرطقة فكرية لن توصلنا الى اي مكان
في لبنان الردّ على سؤال:" كم هي الساعة؟" يكون ، تقريباً الثانية والنصف .... او " رَحْ تصير الرابعة"
هل تعلمون ماذا يمكن ان يحدث في ثوانٍ ... الزلازل وانخفاض البورصة والأسهم ، والجرائم الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي ، ولو لثواني ، واللبناني يقول لك "بعد ساعة ، ساعة ونصف تقريباً" ، نلتقي... لا يا أخي انا لن التقي بك بعد اليوم ، الا في ساعة محدّدة مع الدقائق والثواني . انا بدّي كرمالنا لنبلغ سوياً القرن الواحد والعشرين ، والاّ سوف نحتفل سوياً برأس السنة العام المقبل ، "شي الساعة الثانية عشرة الاّ ربع"
اذا قليلٌ من الدقة والالتزام لكي نبلغ شاطىء الأمان
لن اتناول العمل السياسي في لبنان لأن الموضوع ساقط منذ بدايته ، لأننا في لبنان نحن لا نشتغل سياسة ، فأقوى سياسي عندنا يملك شعارين ، لأن الأول الكلّ متفِّق عليه... فهم يريدون صالح لبنان ، اما اقوى شعارين ، فهما:" يُبنى على الشيء مقتضاه" ، و"النأي بالنفس" ، لذلك كيف تريدونا ان نشرَح الأمن بالتراضي والاستقلال المشروط ، ونحن ليس لدينا استقلال ، ولا أمن . اذا الردّ على هذا المحور هو التالي :" نعم بإمكاننا وبامكانكم ان ترون اناساً في لبنان مثلما لم ترونهم من قبل ، برحيل السياسيين المنظّرين ، والاتفاق من جديد على ان الاستقلال يملك مفهوماَ واحداً ، والأمن يكون امناً شاملاً ومفروضاً من قبل الدولة وليس بالتراضي
كرة القدم وهي لعبة جماعية بامتياز ، هي لعبة يعشقها اللبنانيون ، تُحوَّل في لبنان الى لعبة فردية بطلُها هدّاف المباراة ، فيخرج البطل الصنديد بعد انتهاء المباراة ويُدلي بخطاب عن انجازاته وعن طريقة لعبه وعن المجهود الجبّار الذي قام به منفرداً ضارباً بعَرض الحائط كل الأرقام التي أشارت اليها إحصائيات المباراة عن التمريرات والتسديدات التي قام بها بقيّة اللاعبين ، وهو يتناسى حتى الذي مرّر له الكرة لكي يسجل هدفاً او أكثر
ـ قصة حقيقيةـ اجريتُ في احد الأيام مقابلة مع احد المحامين اللامعين ، وكان الموضوع عن إحدى التغييرات المهمة في قانون الاحوال الشخصية في لبنان... خلاصة المقابلة ، لم يِذكُر المحامي اللامع اي شيء عن القانون بل اكتفى بقراءات من كتابه فقط حول ما قيل عن الموضوع وفي نهاية المقابلة " دقَّ على الخشب ليحمي نفسه من العَين ، ومدَح نفسه على إنجازاته
نعم بإمكاننا ان نرى اناساً في لبنان مثلما لم نراهم من قبل ، إذا أضفنا رشّة من "الغيرية" وهي عكس الأنانية الى طبقنا اليومي ... فقليل من الغيرية يُشفي قلب الانسان المغرور
التضامن ، التعاضد ، الرياضة والأدب ، العهد ، السلام ، الإخاء ، التجددّ ، هذه اسماء فرق رياضية في لبنان مقسّمة بين كرة قدم وكرة سلّة... هل رأى احدكم تنفيذاً لمحتوى هذه العناوين على أرض الواقع
فرقٌ من نفس المنطقة الجغرافية ، تتشابك بالأيدي يومياً وتُطلق التصريحات والشتائم على المنابر الإعلامية ضد الفريق الآخر ، وأخرى لا دخل لها لا في الرياضة ولا في الأدب ، وأخرى تنتمي الى مناطق لم تعرف السلام يوماً لا في التاريخ القديم ولا الحديث. "فشّيْنا خلقنا" بإطلاق شعارات رنّانة واسماء على فرق رياضية لمبادىء لم نتمكن يوماً من تحقيقها ، يا اصدقائي ، هل يسمّي البايرن ميونخ نفسه البايرن المتعاضد ؟ ، او تجدونها ظريفة ان يُطلق نادي الباريس سان جارمان ، على نفسه اسم الباريس سان جرمان الأدبي . نعم بإمكاننا ان نرى أناساً في لبنان ، مثلما لم نراهم من قبل ، اذا توقّفنا عن إطلاق الشعارات الفارغة ، وعملنا كل واحد في مجاله لتحقيق الرسالة التي تتطلّبها منه مهنته ، وبدأنا بممارسة وتطبيق مبادىء التضامن والوحدة والإخاء ، كل واحد ضمن إمكانياته.
عندما يتبرّع المغترب الثري ، (الذي يُطلَق عليه لقب "الخَواجَه" بعد عودته للإستقرار في مدينته او قريته) لبناء صالون كنيسة ، او ميتم ، او عندما يقدِّم منحاً دراسية للطلاب المعوَزين ، من دون غاية إنتخابية ، ومن دون ان يُذكَر اسمه في الصحف ... نكون في العطاء.
عندما نقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة ونطبّق هذا القسم العالمي في كل معاملاتنا الاجتماعية والماورائية والعلاقاتية ، في بلد اصبح فيه الكذب والخبث عملة يومية يتداول بها المواطن والسياسي ورجل الدين ، وعندما يصبح القانون حامياً للصادق والجريء الذي يعبّر عن رأيه ضد كل مظاهر الفساد والتبعية ولا يُصبح مشروع شهيد او شهيد .... نكون في الصُدق
عندما نترفّع عن مبدأ " أنا او لاأحد" في كل معاملاتنا الفكرية ،والجسدية والدليل على ذلك ما يحدث من جدال وصراخ غير مبني على اي منطق كلما اختلف اثنان على موضوع معين ، ويصل الجدال في اكثر الأحيان الى اشتباك بالأيدي ، وعندما نقدِّر اوضاع الآخرين ونحاول ان نتفّهم ظروفهم ونعاملهم ، عَكس المبدأ القائل " من ساواك بنفسه ما ظلمك " بل عملاً بالمبدأ القائل:" عامل الآخر كما يريد هو ان يُعامَل " عندها فقط نكون في الاحترام
عندما نجلس ونتفاهم ونتحاور كلما تعرّضنا لملاحظة ، او تمنّي او طلب من شخص يقوم بواجبه ، بدلاً من الردّ التالي:" عارف حالك مع مين عم تحكي ". ردٌ سمعته وانا في العاشرة ولم أزل اسمعه حتى الآن....عندها نكون في التواضع
اخيراً وليس آخراً عندما يتعلّم اولادنا بكتب تاريخ وجغرافيا يكتبها محترفون وليس اصحاب اهواء يحرّفونها مثلما تُملي عليهم انتماءاتهم نكون في الحضارة والثقافة والتضامن والأدب وكل التسميات التي لم نستطع تحقيقها ، ولكننا نعم نستطيع و سوف نستطيع